الاثنين، 21 نوفمبر 2011

«القابض على دينه»


يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » رواه الترمذي . 

«القابض على دينه» 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم . أما بعد: 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

« يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » رواه الترمذي . 

وهذا الحديث أيضا يقتضي خبرا وإرشادا . 

أما الخبر ، 

فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه ، ويكثر 

الشر وأسبابه ، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل ، وهذا 

القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة ، كحالة القابض على الجمر ، من قوة 

المعارضين ، وكثرة الفتن المضلة ، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد ، وفتن 

الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها ، ظاهرا وباطنا ، وضعف 

الإيمان ، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد 

ولكن المتمسك بدينه ، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا 

أهل البصيرة واليقين ، وأهل الإيمان المتين ، من أفضل الخلق ، وأرفعهم عند 

الله درجة ، وأعظمهم عنده قدرا . 

وأما الإرشاد ، 

فإنه إرشاد لأمته ، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة ، وأن يعرفوا أنه لا بد 

منها ، وأن من اقتحم هذه العقبات ، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه 

المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات ، وسيعينه مولاه على ما يحبه 

ويرضاه ، فإن المعونة على قدر المؤونة . 

وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف 

الذي ذكره صلى الله عليه وسلم ، فإنه ما بقي 

من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، إيمان ضعيف ، وقلوب 

متفرقة ، وحكومات متشتتة ، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين ، وأعداء 

ظاهرون وباطنون ، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين ، وإلحاد وماديات ، 

جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان ، ودعايات إلى فساد 

الأخلاق ، والقضاء على بقية الرمق . 

ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا ، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم ، وأكبر همهم 

، ولها يرضون ويغضبون ، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة ، والإقبال بالكلية 

على تعمير الدنيا ، وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله ، وبكل ما ينسب إليه 

، وفخر وفخفخة ، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشررها 

وشرورها قد شاهده العباد . 

فمع هذه الشرور المتراكمة ، والأمواج المتلاطمة ، 

والمزعجات الملمة ، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - 

مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث . 

ولكن مع ذلك ، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله ، 

ولا ييأس من روح الله ، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة ، 

بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب ، الكريم الوهاب ، ويكون 

الفرج بين عينيه ، ووعده الذي لا يخلفه ، بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا ، 

وأن الفرج مع الكرب ، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات 


فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال : " لا حول ولا قوة إلا بالله " و" حسبنا الله 

ونعم الوكيل . على الله توكلنا . اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى . وأنت 

المستعان . وبك المستغاث . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ويقوم بما 

يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة . ويقنع باليسير ، إذا لم يمكن الكثير 

. وبزوال بعض الشر وتخفيفه ، إذا تعذر غير ذلك 

: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ، 

{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } 

، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق